الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
الثالث: لتنوء به العصبة كما قال الشاعر: والعصبة الجماعة الذين يتعصب بعضهم لبعض واختلف في عددهم على سبعة أقاويل:أحدها: سبعون رجلًا، قاله أبو صالح.الثاني: أربعون رجلًا، قاله الحكم وقتادة والضحاك.الثالث: ما بين العشرة إلى الأربعين، قاله السدي.الرابع: ما بين العشرة إلى الخمسة عشر، قاله مجاهد.الخامس: ستة أو سبعة. قاله ابن جبير.السادس: ما بين الثلاثة والتسعة وهم النفر، قاله عبد الرحمن بن زيد.السابع: عشرة لقول إخوة يوسف {وَنَحْنُ عُصْبَةٌ} [يوسف: 8] قاله الكلبي ومقاتل.وزعم أبو عبيدة أن هذا من المقلوب تأويله: إن العصبة لتنوء بالمفاتح.{أوْلِي الْقُوَّةِ} قال السدي أولي الشدة.{إذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ} فيه وجهان:أحدهما: أنه قول المؤمنين منهم، قاله السدي.الثاني: قول موسى، قاله يحيى بن سلام.{لاَ تَفْرَحْ إنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْفَرِحِينَ} فيه ثلاثة أوجه:أحدها: لا تبغ إن الله لا يحب الباغين، قاله مجاهد.الثاني: لا تبخل إن الله لا يحب الباخلين، قاله ابن بحر.الثالث: لا تبطر إن الله لا يحب البطرين، قاله السدي، وقال الشاعر: قوله تعالى: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ} فيه وجهان:أحدهما: طلب الحلال في كسبه، قاله الحسن.الثاني: أنه الصدقة وصلة الرحم، قاله السدي.ويحتمل ثالثًا: وهو أعم أن يتقرب بنعم الله إليه، والمراد بالدار الآخرة الجنة.{وَلاَ تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} فيه ثلاثة تأويلات:أحدها: لا تنس حظك من الدنيا أن تعمل فيها لآخرتك، قاله ابن عباس.الثاني: لا تنس استغناك بما أحل الله لك عما حرمه عليك، قاله قتادة.الثالث: لا تنس ما أنعم الله عليك أن تشكره عليه بالطاعة وهذا معنى قول ابن زيد.الثاني: وأحسن فيما افترض الله عليك كما أحسن في إنعامه عليك، وهذا معنى قول يحيى بن سلام.الثالث: أحسن في طلب الحلال كما أحسن إليك في الإحلال.{وَلاَ تَبْغِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ} يحتمل وجهين:أحدهما: لا عمل فيها بالمعاصي.الثاني: لا تقطع.{إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} فيه وجهان:أحدهما: لا يحب أعمال المفسدين، قاله ابن عباس.الثاني: لا يقرب المفسدين، قاله ابن قتيبة.قوله: {قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمِ عِنْدِي} فيه خمسة أوجه:أحدها: أي بقوتي وعلمي، قاله يحيى بن سلام.الثاني: علىخير وعلم عندي، قاله قتادة.الثالث: لرضا الله عني ومعرفته باستحقاقي، قاله ابن زيد.الرابع: على علم بوجه المكاسب، قاله ابن عيسى.الخامس: العلم بصنعة الكيمياء.حكى النقاش أن موسى عليه السلام علّم قارون الثلث من صنعة الكيمياء، وعلم يوشع بن نون الثلث، وعلم ابني هارون الثلث فخدعهما قارون وكان على إيمانه حتى علم ما عندهما وعمل الكيمياء فكثرت أمواله.وفي قوله تعالى: {وَلاَ يُسأُلَ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ} أربعة تأويلات:أحدها: يعذبون ولا يحاسبون، قاله قتادة.الثاني: لا يسألون عن إحصائها ويعطون صحائفها فيعرفون ويعترفون بها، قاله الربيع.الثالث: لأن الملائكة تعرفهم بسيماهم فلا تسأل عنهم، قاله مجاهد.الرابع: أنهم لا يُسألون سؤال استعتاب: لمَ لَمْ يؤمنوا، قاله ابن بحر كما قال: {وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ} [الروم: 57]. اهـ.
ومنه قول الآخر يصف راميًا: الرجز: والوجه أن يقال إن العصبة تنوء بالمفاتح المثقلة لها وكذلك قال كثير من المتأولين المراد هذا لكنه قلب كما تفعل العرب كثيرًا، فمن ذلك قول الشاعر: الوافر: ومن ذلك قول الآخر خداش بن زهير الطويل: وهذا البيت لا حجة فيه إذ يتجه على وجهه فتأمله، ومن ذلك قول الآخر: وقال سيبويه والخليل التقدير لتنيء العصبة فجعل بدل ذلك تعدية الفعل بحرف الجر كما تقول ناء الحمل وأنأته ونؤت به، بمعنى جعلته ينوء والعرب تقول ناء الحمل بالبعير إذا أثقله.قال الفقيه الإمام القاضي: ويحتمل أن يسند {تنوء} إلى المفاتح مجازًا لأنها تنهض بتحامل إذا فعل ذلك الذي ينهض بها وهذا مطرد في قولهم ناء الحمل بالعير ونحوه فتأمله، واختلف الناس في {العصبة} كم هي فقال ابن عباس ثلاثة، وقال قتادة من العشرة إلى الأربعين، وقال مجاهد خمسة عشر حملًا، وقيل أحد عشر حملًا على إخوة يوسف وقيل أربعون، وقرأ بديل بن ميسرة {لينوء} بالياء وجهها أبو الفتح على أنه يقرأ: {مفاتحه} جمعًا وذكر أبو عمرو الداني إن بديل بن ميسرة قرأ: {ما إن مفتاحه} على الإفراد فيستغنى على هذا عن توجيه أبي الفتح، وقوله تعالى: {إذ قال له قومه} متعلق بقوله: {فبغى} ونهوه عن الفرح المطغي الذي هو انهماك وانحلال نفس وأشر وإعجاب، والفرح هو الذي تخلق دائمًا بالفرح، ولا يجب في هذا الموضع صفة فعل لأنه أمر قد وقع فمحال أن يرجع إلى الإرادة وإنما هو لا يظهر عليهم بركته ولا يبهم رحمته، ثم وصوه أن يطلب بماله رضى الله تعالى وقدم لآخرته، وقوله تعالى: {ولا تنس نصيبك من الدنيا} اختلف المتأولون فيه فقال ابن عباس والجمهور: معناه لا تضيع عمرك في أن لا تعمل عملًا صالحًا في دنياك إذ الآخرة إنما يعمل لها في الدنيا فنصيب الإنسان وعمله الصالح فيها فينبغي أن لا يهمله.قال الفقيه الإمام القاضي: فالكلام كله على هذا التأويل شدة في الموعظة. وقال الحسن وقتادة: معناه ولا تضيع أيضًا حظك من دنياك في تمتعك بالحلال وطلبك إياه ونظرك لعاقبة دنياك.قال الفقيه الإمام القاضي: فالكلام على هذا التأويل فيه بعض الرفق به وإصلاح الأمر الذي يشتهيه وهذا مما يجب استعماله مع الموعوظ خشية النبوة من الشدة، وقال الحسن: معناه قدم الفضل وأمسك ما يبلغ. وقال مالك: هو الأكل والشرب بلا سرف. وحكى الثعلبي أنه قيل أرادوا بنصيبه الكفن.قال الفقيه الإمام القاضي: وهذا وعظ متصل كأنهم قالوا لا تنس أنك تترك جميع مالك إلا نصيبك الذي هو الكفن ونحو هذا قول الشاعر: الطويل: وقوله: {وأحسن كما أحسن الله إليك} أمر بصلة المساكين وذوي الحاجة وباقي الآية بين.{قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ (78)}.القائل قارون لما وعظه قومه وندبوه إلى اتقاء الله تعالى في المال الذي أعطاه تفضلًا منه عليه أخذته العزة بالإثم فأعجب بنفسه، وقال لهم على جهة الرد عليهم والروغان عما ألزموه فيه {إنما أوتيته على علم عندي} ولكلامه هذا وجهان يحتملهما وبكل واحد منهما قالت فرقة المفسرين فقال الجمهور منهم إنه ادعى أن عنده علمًا استوجب به أن يكون صاحب ذلك المال وتلك النعمة، ثم اختلفوا في العلم الذي أشار إليه ما هو، فقال بعضهم علم التوراة وحفظها، قالوا وكانت هذه مغالطة ورياء، وقال أبو سليمان الداراني: أراد العلم بالتجارب ووجوه تثمير المال فكأنه قال: {أوتيته} بإدراكي وبسعيي، وقال ابن المسيب: أراد علم الكيمياء، وقال ابن زيد وغيره: إنما أراد {أوتيته على علم} من الله وتخصيص من لدنه قصدني به أي فلا يلزمني فيه شيء مما قلتم، ثم جعل قوله: {عندي} كما تقول في معتقدي على ما أراه.قال الفقيه الإمام القاضي: وعلى الاحتمالين معًا فقد نبه القرآن على خطئه في اغتراره وعارض منزعه بأن من معلومات الناس المتحققة عندهم {أن الله} تعالى: {قد أهلك} من الأمم والقرون والملوك من هو أشد من قارون قوة وأكثر جمعًا إما للمال وإما للحاشية والغاشية، وقوله تعالى: {أو لم يعلم} يرجح أن قارون تشبع بعلم نفسه على زعمه، وقوله تعالى: {ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون} قال محمد بن كعب: هو كلام متصل بمعنى ما قبله، والضمير في {ذنوبهم} عائد على من أهلك من القرون، أي أهلكوا ولم يُسأل غيره بعدهم عن ذنوبهم أي كل واحد إنما يكلم ويعاقب بحسب ما يخصه، وقالت فرقة: هو إخبار مستأنف عن حال يوم القيامة أن المجرمين لا يسألون عن ذنوبهم، قال قتادة ذلك لأنه يدخلون النار بغير حساب، وقال قتادة أيضًا ومجاهد: معناه أن الملائكة لا تسأل عن ذنوبهم لأنهم يعرفونهم بسيماهم من السواد والتشويه ونحو ذلك قوله تعالى: {يعرف المجرمون بسيماهم} [الرحمن: 41].قال الفقيه الإمام القاضي: وفي كتاب الله تعالى آيات تقتضي أن الناس يوم القيامة يُسألون كقوله تعالى: {وقفوهم إنهم مسؤولون} [الصافات: 24] وغير ذلك، وفيه آيات تقتضي أنه لا يسأل أحد كقوله تعالى: {فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان} [الرحمن: 39]، وغير ذلك فقال الناس في هذا إنها مواطن وطوائف، وذلك من قوله محتمل ويشبه عندي أن تكون الآيات التي توجب السؤال إنما يراد بها أسئلة التوبيخ والتقرير والتي تنفي السؤال يراد بها أسئلة الاستفهام والاستخبار على جهة الحاجة إلى علم ذلك من المسؤولين، أي أن ذلك لا يقع لأن العلم بهم محيط وسؤال التوبيخ غير معتد به. اهـ.
|